للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الملا علي القاري: قال الطيبي: ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى فيها الأدب الحسن ولم يقل وافقني ربي، مع أن الآيات إنما نزلت موافقة لرأيه واجتهاده (١).

[الوجه الثاني: المعنى الصحيح للحديث.]

عَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قال: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَو اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنزلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَو أمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ؛ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

هذه رواية البخاري، أما رواية مسلم فقال: في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر (٢).

قال ابن حجر: قَوْلُه: (وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث)، أَيْ: وَقَائِع، وَالْمَعْنَى: وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآن عَلَى وَفْق مَا رَأَيْت، لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَب أَسْنَدَ الْمُوَافَقَة إِلَى نَفْسه، أو أشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوث رَأْيه وَقِدَم الْحُكْم، وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصه الْعَدَد بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ المُوَافَقَة فِي أَشْيَاء غَيْر هَذِهِ مِنْ مَشْهُورهَا قِصَّة أسَارَى بَدْر، وَقِصَّة الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهُمَا فِي الصَّحِيح.

وقال ابن رشيد: اجْتَهَدَ عُمَر فِي أَنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمُصَلَّى إِلَى مَقَام إِبْرَاهِيم الَّذِي هُوَ فِي وَجْه الْكَعْبَة، فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَات الْقِبْلَة بِالِاجْتِهَادِ، وَحَصَلَتْ مُوَافَقَته عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيب اجْتِهَاد الْمُجْتَهِد إِذَا بَذَلَ وُسْعه وَلَا يَخْفي مَا فِيهِ (٣).

قال النووي رحمه الله: هَذَا مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِب عُمَر وَفَضَائِله، وَلَيْسَ فِي لَفْظه مَا يَنْفِي زِيَادَة الْمُوَافَقَة. وَالله أَعْلَمُ، وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة: (وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاثٍ)، وَفَسَّرَهَا بِهَذِهِ الثَّلَاث. وَجَاءَ فِي رِوَايَة أخْرَى فِي الصَّحِيح: (اِجْتَمَعَ نِسَاء رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَة. . .)،


(١) مرقاة المفاتيح (كتاب مناقب عمر، الفصل الثالث).
(٢) البخاري (٤٠٢)، مسلم (٢٣٩٩) عن ابن عمر.
(٣) فتح الباري (١/ ٥٩٣: ٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>