للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ألسنة أوليائه والملازمين لقرآنه وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - جزاءً لهم على ما قدموا للإسلام والمسلمين.

قال في الدليل إلى المتون العلمية: وهي من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم، ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم، وتأدبهم معه واقتدائهم به، فهذا الطريق نافع على كل تقدير (١). وهذا أولًا.

ثانيًا: أن عمر - رضي الله عنه - كان ملهمًا مُحدَّثًا، وهذه نعمة من الله تبارك وتعالى على عبده الذي دافع عن الإسلام والمسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الأمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ (٢).

ثالثًا: هذا اجتهاد من عمر - رضي الله عنه - ووافقه الله تعالى بقدره؛ لأنه رأى الصواب وألهمه الله - عز وجل - الصواب في ذلك، فليس معنى أن الوحي يوافق كلامه أن الوحي ينزل على هوى الناس، ويؤيد ذلك حديث: (إِنَّ الله جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ)، وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ أَوْ قَالَ (ابْنُ الْخَطَّابِ) فِيهِ - شَكَّ خَارِجَةُ - إِلَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ (٣).

فمن قول ابن عمر أيضًا: (فقالوا فيه. . .) يدل على أن باب الاجتهاد مفتوح، وأنه ليس عمر وحده الذي يجتهد، ولكن تشريفًا لعمر أجرى الله الصواب على لسانه، وما قال عمر كان سينزله الله سواءً قاله عمر أو لم يقله.

رابعًا: أن كلام الله - عز وجل - من صفاته تعالى، وهي صفات أزلية، فالله لم يزل ولا يزال متكلمًا، وكلام عمر وفعله حادث لاحق.


(١) الدليل إلى المتون العلمية لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم (١/ ٣٧).
(٢) البخاري (٣٦٨٩)، مسلم (٢٣٩٨).
(٣) سنن الترمذي من حديث ابن عمر (٣٦٨٢)، مسند أحمد (٢/ ٤٠١، ٥٣)، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٩٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>