للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فَضُرِبَ الْحِجَابُ وَقَامَ الْقَوْمُ. (١)

وفي رواية عن أنس قال: أَوْلَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - رجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ (٢).

قال ابن حجر: وَمُحَصِّل الْقِصَّة أَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا الْوَلِيمَة جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَاسْتَحْيَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَأْمُرهُمْ بِالْخُرُوجِ، فَتَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَفْطِنُوا لِمُرَادِهِ فَتقُومُوا بِقِيَامِهِ، فَلمَّا أَلْهَاهُمْ الْحَدِيث عَنْ ذَلِكَ قَامَ وَخَرَجَ فَخَرَجُوا بِخُرُوجِهِ، إِلَّا الثَّلَاثَة الَّذِينَ لَمْ يَفْطِنُوا لِذَلِكَ لِشِدَّةِ شُغْل بَالهِمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْحَدِيث، وَفِي غُضُون ذَلِكَ كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيد أَنْ يَقُومُوا مِنْ غَيْر مُوَاجَهَتهمْ بِالْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ، فَيُطِيل الْغَيْبَة عَنْهُمْ بِالتَّشَاغُلِ بِالسَّلَامِ عَلَى نِسَائِهِ وَهُمْ فِي شُغْل بَالهمْ، وَكَانَ أَحَدهمْ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ أَفَاقَ مِنْ غَفْلَته فَخَرَجَ وَبَقِيَ الِاثْنَانِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَوَصَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مَنْزِله فَرَآهُمَا فَرَجَعَ، فَرَأَيَاهُ لمَّا رَجَعَ، فَحِينَئِذٍ فَطِنَا فَخَرَجَا، فَدَخَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُنْزِلَتْ الْآيَة فَأَرْخَى السِّتْر بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَس خَادِمه أَيْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد بِذَلِكَ (٣).

وإنما أوردت هذه الأسباب تبيينًا أن الحجاب لم ينزل موافقًا لرأي عمر وحده، أو أن الوحي يوافق أهواء الناس، بل هناك أسباب أخرى تقتضي مثلًا نزول الحجاب، وهناك أسباب غير ما أشار به عمر فيما وافق فيه ربه، وإنما هذه مجرد كرامات الأولياء يلقيها الله - عز وجل -


(١) البخاري (٤٧٩٢)، مسلم (١٤٢٨).
(٢) البخاري (٤٧٩٤).
(٣) فتح الباري (٨/ ٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>