[الوجه السادس: الرد على قول القائل: لماذا لم يذكر القرآن كلمة (أخفض) بدلا من (أدنى)، فلو كان هذا حدث لانتهى الإشكال؟]
الجواب: لم يقل تعالى: (أخفض الأرض)، لأن أخفض منطقة على الأرض تقع في أعماق البحار، بينما كلمة (أدْنى) فيها تعبير دقيق عن اليابسة حصرًا، وهكذا نجد الدقة في مصطلحات القرآن العلمية، كيف لا تكون دقيقة وهي صادرة من رب السماوات والأرض عز وجل؟
[الوجه السابع: الجمع بين قول المتقدمين وقول المعاصرين بأن نقول: إن كلمة (أدنى) عند العرب تأتي بمعنيين: أقرب، وأخفض؛ فهي من جهة أقرب منطقة لشبه الجزيرة العربية، ومن جهة أخرى هي أخفض منطقة على سطح الأرض.]
قال أبو البقاء الكفوي (١): (دون): ظرف مكان مثل: (عند) لكنه ينبئ عن دنو أي: قرب كثير وانحطاط قليل؛ يوجد كلاهما في قوله:(أدنى مكان من الشيء)، ثم اتسع فيه واستعمل في انحطاط المحسوس لا يكون في المكان كقصر القامة مثلًا، ثم استعير منه بتفاوت في المراتب المعنوية تشبيها لها بالمراتب المحسوسة، وشاع استعماله فيها أكثر من استعماله في الأصل فقيل:(زيد دون عمرو في الشرف).
ثم اتسع في هذا المستعار فاستعمل في كل تجاوز حد وتخطي حكم إلى حكم وإن لم يكن هناك تفاوت وانحطاط، وهو في هذا المعنى مجاز في المرتبة الثالثة، وفي هذا المعنى قريب من أن يكون بمعنى:(غير) كأنه أداة الاستثناء، نحو:{الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ}، ويستعمل للاختصاص وقطع الشركة تقول:(هذا لي دونك أو من دونك) أي: لا حقَّ لك فيه ولا نصيب، وفي غير هذا الاستعمال يأتي بمعنى: الانتقاص في المنزلة أو المكان أو المقدار. . .
[الوجه الثامن:(أل) للعهدية في كلمة (الأرض).]
فنقول: ليس هناك ما يمنع أن تكون (أل) في كلمة (الأرض) للعهد أي: المعهودة لأهل مكة القريبة منهم، وفي نفس الوقت تفيد صفة جديدة لهذه الأرض:
(١) كتاب الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية فصل الدال (١/ ٧١١).