١ - قال علي بن نايف الشحوذ: نلاحظ أن كلمة الأرض في الآية جاءت معرفة بـ (أل) العهدية؛ و (أل) العهدية هذه تضعنا أمام احتمالين:
إما أن تكون كلمة الأرض -هنا- مختصة بمنطقة معينة وموقع محدد؛ أي: تواضع عليها كل من المرسل والمتلقي، فهي معهود ذهني بينهما، أو تكون عامة؛ أي: الأرض كلها دون تخصيص، وهي معهود ذهني عام.
فأما الاحتمال الأول: فهو ما حملته لنا كتب مفسري القرآن ودارسيه من أن الأرض المذكورة هي أقرب أرض الروم إلى فارس.
ويبقى الاحتمال الثاني وهو ما يجيز لنا أن نعدَّ كلمة الأرض في الآية لفظًا عامًا أريد به الأرض كلها، وفي هذه الحالة يصبح (أدنى الأرض) بمعنى: أكثرها انخفاضًا - أمرًا ممكنًا، بل لعله يكون بهذا المعنى أقرب إلى الدقة، وإن كان لا ينفي الاحتمال الأول من الوجهة اللغوية (١).
قلت: ويؤكد ذلك أن في القرآن ذكرت (أل) العهدية وأريد بها العهد وكذلك صفة أخرى.
فكلمة الناس مع أن المقصود منها أهل مكة إلا أنها عامة لجميع البشر، فكذلك ما المانع أن تكون كلمة الأرض التي حدثت فيها المعركة بين فارس والروم هي الأرض المعهودة لدى العرب والمنخفضة لدى الجيولوجيين؟
قال ابن عاشور: والمراد من الناس سكان مكة من ذرية إسماعيل وكل من يجاورهم ويدخل في حلفهم، فتعريف الناس للجنس المعهود، وتعليق للناس بمثابة على التوزيع أي: يزوره ناس وبذهبون فيخلفهم ناس، ولما كان المقصود من هذا ذكر منقبة البيت والمنة على ساكنيه كان الغرض التذكير بنعمة اللَّه أن جعله لا ينصرف عنه قوم إلا ويخلفهم قوم آخرون، فكان الذين يخلفون الزائرين قائمين مقامهم بالنسبة للبيت وسكانه، ويجوز حمل
(١) المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام ٦/ ٨١، شبهات حول القرآن الكريم (٢).