للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: "فلم يكره أحد عليه بالسيف ولا باللسان، بل دخل القلوب عن شوق واختيار، وكان نتيجة ما أودع في القرآن من مواهب التأثير والأخذ بالألباب" (١).

ذكر توماس كارليل صـ ٧٦ في "الأبطال" في معرض رده على شبهة انتشار الإسلام بالسيف: "فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لولا السيف. ولكن ما هو الذي أوجد السيف؟

هو قوة ذلك الدين، وإنه حق، والرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأي رجل واحد، فالذي يعتقده هو فرد، فرد ضد العالم أجمع، فإذا تناول هذا الفرد سيفًا وقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع، وأرى على العموم أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال، أو لم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحيانًا، وحسبكم ما فعل شارلمان بقبائل السكسون، وأنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف أو باللسان أم بأية آية أخرى، فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أو بالصحافة أو بالنار. لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تهزم إلا ما كان يستحق أن يهزم" (٢).

يقول مونتكومري وات: لا يعني التأكيد -على إخضاع مشركي الجزيرة للإسلام- أن الإسلام قد انتشر بحدّ السيف. حقًّا إن القبائل الوثنية في الجزيرة العربية كان عليها أن تختار الإسلام والسيف، إلا أن تعامل المسلمين كان مختلفًا تجاه اليهود والمسيحيين والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للإسلام، رغم الدعوى القائلة بأن الأتباع المعاصرين لتلك الديانات قد ابتعدوا عن جوهرها. ومهما كان الأمر فقد كان بالإمكان قبولهم نوعًا من الحلفاء للمسلمين في معظم الأقطار التي فتحتها العرب، لذلك فإن غرض الجهاد لم يكن يهدف إلى تحويل أولئك السكان نحو الإسلام بقدر ما كان يهدف إلى اعترافهم بالحكم الإسلامي وبمنزلة أناس يحميهم الإسلام. وبعامة فإنهم أهل الذمة، وكانت الطائفة الذمية مجموعة من الناس تعتنق ديانة واحدة لها استقلالها الداخلي برعاية رئيس ديني كالبطريك أو


(١) المصدر السابق صـ ٣٩ - ٤٠: . L,islam impression et erudes
(٢) الإسلام في قفص الاتهام صـ ١٣٥ - ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>