للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتداد بالحول ما زال بالكلية؛ لأنها لو كانت حاملًا ومدة حملها حول كامل لكانت عدتها حولًا كاملًا، وإذا بقي هذا الحكم في بعض الصور كان ذلك تخصيصًا لا ناسخًا.

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: ذهب جمهور المفسرين والأصوليين إلى أنها منسوخة بقوله (أربعة أشهر وعشرًا). (١)

قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أخي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ (٢).

ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان: إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها؟ فأجابه أمير المؤمنين بأن هذا أمر توقيفي، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها فأثبتها حيث وجدتها (٣).

الوجه الثاني: عدة الحمل تنقضي بوضع الحمل سواء حصل وضع الحمل بسنة أو أقل أو أكثر.

قال ابن كثير: هذا أمر من الله للنساء اللاتي يُتَوّفى عنهن أزواجهن: أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع، ومستنده في غير المدخول بها عُمُوم الآية الكريمة، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي: أن ابن مسعود سُئِل عن رجل تزوّج امرأة فمات ولم يدخل بها، ولم يفرض لها؟ فترددوا إليه مرارًا في ذلك، فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكُن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه: أرى لها الصداق كاملًا. وفي لفظ: لها صداق مثلها، لا وكس، ولا شَطَط، وعليها العدّة،


(١) الطبري في تفسيره (٢/ ٥٨٢: ٥٨٠)، ابن كثير في تفسيره (٢/ ٤٠٨)، الإبهاج في شرح المنهاج (٥/ ١٦٥٠)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٥٧).
(٢) البخاري (٤٥٣٠).
(٣) فتح الباري لابن حجر (٨/ ٤٢)، تفسير ابن كثير (٢/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>