للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف - أو حروف - وإن الكتاب قبلكم كان ينزل - أو نزل - من باب واحد على حرف واحد معناهما واحد (١).

ومما يشهد لهذا الأثر ما ذكره ابن الأثير في التاريخ: عن موقف الأمة من جمع عثمان قال: فكل الناس عرف فضل هذا الفعل إلا ما كان من أهل الكوفة، فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن أصحاب عبد الله ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود وقال: ولا كل ذلك، فإنكم والله قد سبقتم سبقًا بينًا فأربعوا على ظلعكم (أي لا تتنكبوا ما لا تطيقون) ولما قدم علي الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان يجمع الناس علي المصحف فصاح وقال: اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله (٢).

الوجه الخامس: إنكار ابن مسعود كان شهادة لحَرْفِه بالصحة.

لأنه أخذه عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس في ذلك طعنٌ على حرف زيد من حيث هو، وإنَّما غاية ما هنالك أنه لا يرى ترك حرفه لحرف أحدٍ غيره. قال الباقلاني: ليست شهادة عبد الله


(١) المصاحف لابن أبي داود (٦٩).
قال ابن كثير في فضائل القرآن ١/ ٣٩: وهذا الذي استدل به أبو بكر رحمه الله على رجوع ابن مسعود فيه نظر من جهة أنه لا تظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه والله أعلم. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٩/ ٤٩: على أن ابن أبي داود ترجم باب رضي ابن مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به، فالله أعلم.
قلت: ولعل وجه الدلالة من ذلك أن ابن مسعود حين شُكي إليه ما صنع عثمان لم يزد على أن بين للسائلين سنة الله في إنزال الكتب السابقة على حرف واحد، وأن القرآن خرج عن هذه السنة فنزل على سبعة أحرف؛ تخفيفًا عن هذه الأمة، وبهذا يكون ما صنعه عثمان ليس بدعًا من الأمر؛ لأنه أعاد القرآن إلى سيرة الكتب الأولى، وهذا إقرار من ابن مسعود بصحة ما فعل عثمان، وإلا لسجل اعتراضه في هذا المقام، وهذا استدلال عميق يدل على عمق فقه ابن أبي داود رحمه الله في تبويبه.
(٢) الكامل في التاريخ ٣/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>