للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: الرد على من زعم أن عيسى لم يتكلم في المهد.]

قال الآلوسي: وزعمت النصارى أنه - عليه السلام - لم يتكلم في المهد ولم ينطق ببراءة أمه صغيرًا، بل أقام ثلاثين سنة واليهود تقذف أمه بيوسف النجار. وهذا من أكبر فضائحهم الصادحة برد ما هم عليه من دعوى الألوهية له - عليه السلام -، وكذا تنقله في الأطوار المختلفة المتنافية؛ لأن مَنْ هذا شأنه بمعزل عن الألوهية، واعترضوا بأن كلامه في المهد من أعجب الأمور فلو كان لنُقل ولو نُقل لكان النصارى أولى الناس بمعرفته؟

وأجيب: بأن الحاضرين إذ ذاك لم يبلغوا مبلغ التواتر، ولما نقلوا كُذبوا فسكتوا، وبقي الأمر مكتومًا إلى أن نطق القرآن به، وهذا قريب على قول ابن عباس: (إنه لم يتكلم إلا ساعة من نهار)، وعلى القول الآخر: وهو أنه بقي يتكلم يُقال: إن الناس اشتغلوا بعد بنقل ما هو أعجب من ذلك من أحواله: كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، والإخبار عن الغيوب، والخلق من الطين كهيئة الطير، حتى لم يذكر التكلم منهم إلا النزر، ولا زال الأمر بقلة حتى لم يبق مخبر عن ذلك، وبقي مكتومًا إلى أن أظهره القرآن.

وبعد هذا كله لك أن تقول: لا نسلم إجماع النصارى على عدم تكلمه في المهد، وظاهر الأخبار وقد تقدم بعضها يشير إلى أن بعضهم قائل بذلك، ويفرض إجماعهم نهاية ما يلزم الاستبعاد وهو بعد إخبار الصادق لا يسمن ولا يغني من جوع عند من رسخ إيمانه وقوي إيقانه، وكم أجمع أهل الكتابين على أشياء نطق القرآن الحق بخلافها والحق أحق بالاتباع، ولعل مرامهم من ذلك أن يطفئوا نور الله بأفواههم {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: ٣٢] (١).

[الوجه الرابع: بيان الحق في كلام الرازي.]

زعم المعترض أن الرازي - رحمه الله - أنكر كلام عيسى في المهد، وأنقل الآن كلام الرازي في تفسيره، ونرى هل صحيح ما ذكره عنه هؤلاء أم هو الكذب والتدليس؟ . (٢)

قال الرازي: اعلم أنه وصف نفسه بصفات تسع:


(١) روح المعاني (٣/ ١٦٣).
(٢) قال الرازي (٢١/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>