- الفائدة الأولى: أن الكلام منه في ذلك الوقت كان سببًا للوهم الذي ذهبت إليه النصارى، فلا جرم أول ما تكلم إنما تكلم بما يرفع ذلك الوهم فقال:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} وكان ذلك الكلام، وإن كان موهمًا من حيث إنه صدر عنه في تلك الحالة، ولكن ذلك الوهم يزول ولا يبقى من حيث إنه تنصيص على العبودية.
- الفائدة الثانية: أنه لما أقرَّ بالعبودية فإن كان صادقًا في مقاله، فقد حصل الغرض وإن كان كاذبًا لم تكن القوة قوة إلهية، بل قوة شيطانية فعلى التقديرين يبطل كونه إلهًا.
- الفائدة الثالثة: أن الذي اشتدت الحاجة إليه في ذلك الوقت إنما هو نفي تهمة الزنا عن مريم - عليها السلام -، ثم إن عيسى - عليه السلام - لم ينص على ذلك، وإنما نص على إثبات عبودية نفسه، كأنه جعل إزالة التهمة عن الله تعالى أولى من إزالة التهمة عن الأم، فلهذا أول ما تكلم إنما تكلم بها.
- الفائدة الرابعة: وهي أن التكلم بإزالة هذه التهمة عن الله تعالى يفيد إزالة التهمة عن الأم؛ لأن الله سبحانه لا يخصُّ الفاجرة بولد في هذه الدرجة العالية والمرتبة العظيمة. وأما التكلم بإزالة التهمة عن الأم لا يفيد إزالة التهمة عن الله تعالى فكان الاشتغال بذلك أولى فهذا مجموع ما في هذا اللفظ من الفوائد.
قلت: ثم راح الرازي يعدد صفات عيسى - عليه السلام - التي وصف نفسه بها صفة صفة، ويتكلم عليها ويجيب عن الإشكالات التي تعرض عليها، مما يدل دلالة قاطعة على أنه أثبت الكلام له - عليه السلام -.
ثم قال في آخر حديثه عن هذه الآيات:
(المسألة الثالثة: قال القاضي: (السلام) عبارة عما يحصل به الأمان ومنه السلامة في النعم وزوال الآفات، فكأنه سأل ربه وطلب منه ما أخبر الله تعالى أنه فعله بيحيى، ولا بُدَّ في الأنبياء من أن يكونوا مستجابي الدعوة، وأعظم أحوال الإنسان احتياجًا إلى السلامة هي هذه الأحوال الثلاثة؛ وهي: يوم الولادة، ويوم الموت، ويوم البعث، فجميع الأحوال التي يحتاج فيها إلى السلامة واجتماع السعادة من قبله تعالى طلبها ليكون مصونًا عن الآفات والمخافات في كل الأحوال.
واعلم أن اليهود والنصارى ينكرون أن عيسى - عليه السلام - تكلم في زمان الطفولية، واحتجوا