للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبغضاء استدعاء إلى موافقتهم- لا يزالون في جهاد ونزاع ومدافعة وقراع آناء الليل والنهار وبذلك يضاعف الله لهم الأجر الجزيل ويثيبهم الثواب العظيم. (١)

[غربة الإسلام في أول الأمر]

قال ابن رجب الحنبلي: لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى، وينال منه وهو صابر على ذلك في الله -عز وجل-، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين يشردون كل مشرد، ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية كما هاجروا إلى الحبشة مرتين؛ ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يعذب في الله ومنهم من يقتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعز وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجًا، وأكمل الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة.

وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهم-. (٢)

ومن أكبر الأدلة على غربة هذا الدين في أول أمره؛ حال المسلمين في أول الأمر من تعذيب واضطهاد وقتل وتشريد وخوف، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ هذه الدعوة وحده وكان غريبًا لأنه جاء بشيء غريب، ثم آمن معه قلة قلائل مَنْ قذف الله الإيمان في قلوبهم.

فانظر لغربة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي روته عائشة -رضي الله عنها- حيث قَالَتْ لِلنَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ أتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أنا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ؛ فَنَادَانِي فَقَالَ:


(١) الاعتصام للشاطبي (١٥: ١٢) بتصرف.
(٢) كشف الكربة في وصف أهل الغربة (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>