للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أَرْجو أَنْ يخرج الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" (١).

فهذا حديث يلخص ما لاقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذىً وغربة عن وطنه وتشريد، وإحساس بالغربة وهو بين أهله وعشيرته، إذ كلهم رفضوه وطردوه إلا من رحم الله، حيث يقول: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ... "، وَفِي هَذَا الحدِيث بَيَان شَفَقَة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمه، وَمَزِيد صَبْره وَحلمه (٢).

ومن أمثلة ما كان يحدث لبعض الصحابة من قلتهم وضعفهم ما حدث لخباب وبلال وغيرهما، فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمارٌ، وَأُمُّهُ سمَيَّةُ، وَصهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالمقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَنَعَهُ الله بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ الله بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ المُشْرِكُونَ وَألبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الحدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي الله، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهوَ يَقولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ (٣).

وهذه إشارة فقط لبيان ضعف المسلمين في بادئ الأمر وقلتهم؛ لكن بعد ذلك انتشر الإسلام وعلت كلمته واتسعت الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين.


(١) البخاري (٣٢٣١)، مسلم (١٧٩٥).
(٢) فتح الباري (٦/ ٣٦٤).
(٣) ابن ماجه (١٥٠)، مسند أحمد (١/ ٤٠٤)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>