للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن في هذه الآية إجلالًا لشأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهتين:

الأولى: أن التعبير عن عدم العلم بالغفلة لإجلال شأن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الثانية: العدول عن لـ (غافلًا) إلى ما في النظم الجليل من قوله: لمن الغافلين عند بعض.

[الوجه الثالث: أن المقصود (بهذا) الإشارة إلى غرابة القصة]

حيث إن الشيء إذا كان بديعًا، وفيه نوع غرابة إذا وقف عليه قيل للمخاطب: كنت عن هذا غافلًا، فيجوز أن يقصد الإشارة إلى غرابة تلك القصة فيكون كالتأكيد لما تقدم. (١)

الوجه الرابع: ومنهم من قال: المراد أنه كان من الغافلين عن الدين والشريعة، قبل ذلك كما قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} (الشورى: ٥٢). (٢)

الثاني: أن هذه الآية كسابقتها مسوقة في سياق المنة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا في سياق اتهامه كما سبق.

الآية الرابعة، والخامسة قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} (يونس ٩٤) وقوله تعالى {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)} (هود: ١٧). وهذا يناقض عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كان الله تعالى يشك في إيمانه حتى يحذره؟

والجواب على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: معنى الآية]

قال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزلنا إليك، من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولًا إلى خلقه؛ لأنهم يجدونك عندهم مكتوبًا ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ومن أهل التوراة والإنجيل، كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك، منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم.

ثم قال: فإن قال قائل: أو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شك من خبر الله أنه حق يقين، حتى قيل له: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} قيل: لا وما


(١) روح المعاني ١٢/ ١٧٧.
(٢) مفاتيح الغيب للرازي ٨/ ٤٩٣، وانظر الشفاء ٢/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>