للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الخامس: ليس معنى سجودها في الغروب الغروب.]

فلم يلزم غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه (١)، فالذي يظهر أن معنى "الغروب" قد التبس على قوم فظنوا أن المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - "أتدري أين تغرب" هو التواري التام عن نظر جميع أهل الأرض، وأن هذا من لوازم السجود المذكور، ولفظ الحديث لا يومئ إلى هذا؛ ولا يدل عليه فضلًا عن أن يكون من لوازم لفظ الغروب.

والحق أن المراد بالغروب الذهاب لا الغياب التام؛ كما فسرته لفظة الرواية الأخرى، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتدري أين تذهب" وهذا معنى صحيح من حيث اللغة وهو مستعمل عند العرب، قال ابن منظور: غرب القوم غربًا (أي) ذهبوا، كما أن باقي الحديث في روايات فيه "إنها تذهب ... " (٢).

وفائدة لفظة الذهاب أنها تتضمن معنى الحركة، فما من ذاهب إلا وهو متحرك، صحيح أن الشمس "تغرب" عن نظر قوم ولكن هذا بالنسبة إليهم ولذلك يجب التفريق بين حقيقة "الغروب" ومجرد "رأي العين"، كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وهذا صحيح برأي البصر ولذلك نسب المرئي إلى من يراه فقال {وَجَدَهَا} (٣).

قال الإمام القرطبي: قال القفال: قال بعض العلماء: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربًا ومشرقًا وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء


(١) الأنوار الكاشفة للمعلمي (٢٠٧).
(٢) لسان العرب (مادة غرب) (١/ ٦٧٣).
(٣) رفع اللبس عن حديث غروب الشمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>