للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي توجيه ابن حجر للحديث أجمل القول في ذكر الاختلاف فقال: اختلف العلماء في معنى قوله: (لا ترد يد لامس):

فقيل: معناه الفجور، وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة. وبهذا قال أبو عبيد، والخلال، والنسائي، وابن الأعرابي، والخطابي، والغزالي، والنووي وهو مقتضى استدلال الرافعي به هنا.

وقيل: معناه التبذير، وأنها لا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا من مال زوجها. وبهذا قال أحمد، والأصمعي، ومحمد بن ناصرٍ، ونقله عن علماء الإسلام، وابن الجوزي، وأنكر على من ذهب إلى الأول.

وقال بعض حذاق المتأخرين: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- له: "أمسكها" معناه: أمسكها عن الزنا -أو عن التبذير إما بمراقبتها، أو بالاحتفاظ على المال، أو بكثرة جماعها.

ورجح القاضي أبو الطيب الأول بأن السخاء مندوبٌ إليه، فلا يكون موجبًا لقوله: "طلقها"، ولأن التبذير إن كان من مالها فلها التصرف فيه، وإن كان من ماله فعليه حفظه، ولا يوجب شيئًا من ذلك الأمر بطلاقها.

[التأويل الراجح عند ابن حجر العسقلاني]

قيل: والظاهر أن قوله: (لا ترد يد لامس) أنها لا تمنع من يمد يده ليتلذذ بلمسها، ولو كان كنى به عن الجماع لعُدَّ قاذفًا، أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة لا أن ذلك وقع منها. (١) وهذا ما رجحه ابن القيم، والصنعاني، والسندي -كما سبق-.

[الوجه الثالث: سبب نزول الآية.]

عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ الأَخْنَسِ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ -وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ المَدِينَةَ- قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أُسَارَى


(١) تلخيص الحبير (٣/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>