زوج لها وحملت يقام عليها الحد، فالشاهد أنه همَّ يرجمها، ولكن كان -رضي اللَّه عنه- يشاور الصحابة وكانت له طريقته أنه يستشير المهاجرين ثم الأنصار، ثم بعد ذلك يجمع الناس، فلما همَّ أن يرجمها سأل عنها فوجد أنها امرأة صالحة، وأنها يبعد أن يكون منها الزنا لما عرف من استقامتها وصلاحها، فتورع -رضي اللَّه عنه-، وكان محدثًا ملهمًا كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن يكن في أمتي محدثون فعمر"، فامتنع عن رجمها وأحب أن يشاور الناس، فاستشار المهاجرين فلم يجد شيئًا، ثم استشار الأنصار فلم يجد شيئًا، ثم جمع الناس كلهم فلم يجد شيئًا، فجمع النساء فاستشارهن، فقامت امرأة كبيرة في السن معروفة بالعقل وقالت: يا أمير المؤمنين، أنا أقص عليك خبرها، إن هذه المرأة حملت من زوجها الأول، ولما جاءها الحزن ركن الجنين، يعني: ضعف أن يخرج لأمده، ثم لما تزوجها الثاني انكشف بماء الثاني فولدت الجنين قبل زمانه، فحمد اللَّه أنه لم يكن رجمها، وأسقط عنها الحد، وألحق الولد بالزوج الأول، فقد يقع في بعض الأحيان تأخر في الحمل سواء لأمور طبية، أو لمشيئة اللَّه عزَّ وجلَّ، وهو على كل شيء قدير، ومن حكمة اللَّه أنه يخلف العادات، ودائمًا ينتبه طالب العلم بل كل مسلم إلى أن إخلاف العادات من أكبر الأدلة على وحدانية اللَّه عزَّ وجلَّ؛ لأن أهل الطبيعة يستدلون بأن الطبيعة هي التي أوجدت نفسها، فلما تختلف العادات يدل ذلك على أن هناك ربًا يدير هذا الكون ويصرفه سبحانه وتعالى، وهذا من أقوى الحجج في دمغ قولهم؛ لأن الطبيعة لا تضطرب، وهي التي ينسبون إليها الأشياء، فالشاهد أن الحمل قد يخرج عن الشيء المعتاد وقد يطول أمده، فبين ذلك -رحمه اللَّه- حين قال:(أو دون أربع سنين منذ أبانها)، فاعتبر الحد أربع سنوات، وهذا قول من ذكرنا من السلف -رحمهم اللَّه- أنه أربع سنين كحد أقصى، فما بين تطليقه لها وإبانتها من عصمته وبين وضعها لا يجاوز هذه المدة الأربع السنين (١).
[ومن خلال ما مر يظهر الآتي]
ليس في المسألة نص من قرآن ولا سنة صحيحة وإنما هي مسألة اجتهادية بين العلماء.