٤ - وللعرب ولع بالخمر تتحدث عن معاقرتها والاجتماع على شربها الشعراء، وشغلت جانبًا كبيرًا من شعرهم وتاريخهم وأدبهم، وكثرت أسماؤها وصفاتها في لغتهم، وكثر فيها التدقيق والتفصيل كثرةً تدعو إلى العَجَب، وكانت حوانيت الخمَّارين مفتوحةً دائمًا يرفرف عليها علمٌ يسمى غايةً، وشاعت تجارتها عندهم حتى أصبحت كلمةُ التجارة مرادفةً لكلمة بيع الخمر، ومع هذا كله فما يكاد تحريم الخمر ينزل حتى انتهت أمر الخمر من أرض العرب.
فعن ابن بريدة عن أبيه قال: بينما نحن قُعودٌ على شراب لنا (ونحن على رمْلة، ونحن ثلاثةٌ أو أربعةٌ وعندنا بَاطيةٌ لنا) ونحن نشربُ الخمر - حِلًّا - إِذْ قمتُ حتى آتي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمَّ عليه وقد نزل تحريم الخمر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} [المائدة: ٩٠، ٩١] فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)}؟ قال: وبعض القوم شَربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجَّام ثم صبُّوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا ربَّنا! انتهينا ربَّنا. (١)
[الثمرة الثامنة: مسئولية كل فرد عن عمله.]
[تمهيد]
صُور من عدم تحمل المسؤولية ونتائجها.
[١ - في العقيدة النصرانية]
يعتقد النصارى بأن الإنسان خاطئٌ منذ ولادته؛ لأن أباه آدم قد ارتكب الخطيئة، وأن المسيح - عليه السلام - صلب - حسب زعمهم - حتى يُكَفِّرَ عن البشر خطاياهم فهو قد تحمل خطايا البشر، وهذا يعني أن الإنسان مسئول عن أعمال غيره وليس مسئولًا عن أعماله هو، وبين
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٥٧٢) عند تفسير قوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩١].