للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك فيقول فيها:

ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبَنَا الناس، وتغيّروا لنا، حتى تنكرتْ في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأمَّا صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنتُ أشبَّ القوم وأجلدَهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحدٌ، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلِّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس مشيتُ حتى تسورتُ جدارَ حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي - وأحبُّ الناس، إليّ، فسلَّمتُ عليه فوالله ما ردَّ عليّ السلامَ، فقلت: يا أبا قتادة أنشدُك بالله هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكتَ، فعدتُّ له فنشدتُّه فسكتَ، فعدتُّ له فنشدتُّه فقال: الله ورسوله أعلم؛ ففاضت عيناي وتوليتُ حتى تسورتُ الجدار.

قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نِبطيٌّ من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلُّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابًا من ملك غسان؛ فإذا فيه أمّا بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضِيعة فَالْحق بنا نُواسِك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء فتيممت بها التَّنُّور فسجّرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلةً من الخمسين إذا رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت: أُطَلِّقُها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبيَّ مثل ذلك فقلت لامرأتي: الْحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضيَ الله في هذا الأمر. (١)


(١) رواه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>