للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتال وانهزموا أعقبه القتل أو الاسترقاق، فإذا اختار الإمام المن عليهم وعقد لهم الذمة على أن يبقوا أحرارًا فقد أحسن إليهم، وذلك كما فعل عمر بن الخطّاب -رضي اللَّه عنه- في فتح سواد العراق، وهكذا خفف اللَّه تعالى الأمر وسهله، واكتفى منهم بدفع الجزية، والخضوع لأحكام الإسلام. (١)

فجباية المال ليست هي الهدف الأساسي من تشريع الجزية، وإنّما الهدف الأساسي هو تحقيق خضوع أهل الذّمّة إلى حكم المسلمين، والعيش بين ظهرانيهم ليطَّلعوا على محاسن الإسلام وعدل المسلمين، فتكون هذه المحاسن بمثابة الأدلّة المقنعة لهم على الإقلاع عن الكفر، والدّخول في الإسلام، والّذي يؤيّد ذلك: أنّ الجزية تسقط عمّن وجبت عليه بمجرّد دخوله في الإسلام.

وأنّ الحكومة الإسلاميّة لا تقدم على فرض الجزية على الأفراد إلّا بعد تخييرهم بين الإسلام والجزية، وهي تفضّل دخول أهل البلاد المفتوحة في الإسلام، وإعفاءهم من الجزية على البقاء في الكفر ودفع الجزية لأنّها دولة هداية لا جباية (٢).

[ومما يساعد على فهم ذلك معرفة]

[الوجه الثالث: في بيان الحكمة من مشروعية الجزية، وفي ذلك نقاط]

[الأولى: أن فريضة الجزية في خط الدفاع، وليست في خط الهجوم حتى يتهم بها الإسلام]

فهي دفاع عن ألوهية اللَّه تعالى التي انتهكوها، ودفاع عن أنبيائه الذين اعتدوا عليهم بتكذيبهم، وعن الكتب التي حرفوها، وعن حرية الإنسان في اختيار دينه حيث طلبوا منه أن يكون عبدًا لغير اللَّه تعالى فهم الذين سبقوا بالاعتداء على هذه الأصول، والإسلام يدافع عنها، ولا ريب أن الذي يرفع راية الحرب على الحق والمبادئ هم رؤساؤهم، وحكامهم، وألو الأمر منهم، وهم يمنعون غيرهم من الدخول في هذا الدين الحق،


(١) انظر هذا المعنى في الشرح الممتع (٣/ ٥٠٢، ٥٠٣)
(٢) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية تحت مصطلح (جزية).

<<  <  ج: ص:  >  >>