للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلكًا، قال: "فأرني" فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة (١).

وهذه الرواية مع ما دلت عليه من أمور عظيمة، كزيادة اللبن ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنايته بفقراء المسلمين، وتقديمه لهم بالشرب على نفسه، وفرحه بشبعهم، وضربه المثل الأروع في ذلك، فإنها دلت أيضًا على مدى ما كانوا يعانون من جوع وحاجة، ومنهم:

أبو هريرة المتهم بالاهتمام بشبع بطنه، بل ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشبع ثلاث ليال تباعًا، فقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض، وعنها قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد نارًا، إنما هو التمر والماء.

وإذا كان هذا هو حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته الكرام، فكيف حال أبي هريرة؟ وهل مثله وهو في هذه الحال يتهم بالاهتمام بإشباع بطنه؟ وماذا يفيده الاهتمام بذلك مع عدم وجود أو قلة ما يقدمه لها لتشبع؟ (٢).

الوجه الرابع: لو كان مهتمًا بشبع بطنه أو بغيره من أعراض الدنيا، لأخذ كغيره شيئًا من الغنائم التي عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه.

فأين كان هم أبي هريرة متجهًا إلى إشباع بطنه أم إلى العلم والتحصيل؟ قاتل الله الهوى إذا استبد بصاحبه أعمى بصره وبصيرته عن رؤية الحق.

وقوله: إن ذكره لما عاناه من جوع وفاقة، كان حريًا بأن يقدر له، لا أن يفسر تفسيرًا ماديًا نفعيًا تافهًا، لما يدل عليه من واقعية وعدم إنكار لماضيه، أعانه على التواضع وعلى استشعار نعم الله تعالى عليه، وشكره عليها بعد أن وسع الله تعالى عليه، ورفع ذكره، وأعلى قدره بالإسلام والعلم والفضل.

وبهذا يتضح لنا بطلان هذه الشبهة، وأن أبا هريرة ما صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- لشبع بطنه، كما زعم الزاعمون، وإنما صحبه: إيمانًا به، وحبًا له، ورغبة في جمع ما جمع منه من علم وهدى


(١) البخاري (٦٤٥٢).
(٢) أبو هريرة للضاري (صـ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>