للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} يدل على أن ذلك الابن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه، وذلك ينافي وقوع هذه القصة في زمان آخر، فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحاق. (١)

ولهذا قال ابن تيمية: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ لَيْسَ هُوَ إسحاق أَنَّ الله تَعَالَى قَالَ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فَكَيْفَ يَأْمُرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِذَبْحِهِ؟ وَالْبِشَارَةُ بِيَعْقُوبَ تَقْتَضِي أَنَّ إسحاق يَعِيشُ ويُولَدُ لَهُ يَعْقُوبُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ قِصَّةَ الذَّبِيحِ كَانَتْ قَبْلَ وِلَادَةِ يَعْقُوبَ بَلْ يَعْقُوبُ إنَّمَا وُلدَ بَعْدَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَقِصَّةُ الذَّبِيحِ كَانَتْ فِي حَيَاةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام بِلَا رَيْبٍ. (٢)

ولهذا قال ابن كثير: وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه، ولله الحمد (٣).

قال ابن عاشور: تحت الاستدلال بهذه الآية: وكان ذلك بمحضر إبراهيم فلو ابتلاه الله بذبح إسحاق لكان الابتلاء صوريًا لأنه واثق بأن إسحاق يعيش حتى يولد له يعقوب لأن الله لا يخلف الميعاد. ولمّا بشره بإسماعيل لم يَعِدْه بأنه سيُولد له وما ذلك إلا توطئة لابتلائه بذبحه فقد كان إبراهيم يدعو لحياة ابنه إسماعيل (٤).

٣ - الحجة الثالثة: الاستدلال بكون ذكر الذبيح موصولًا بالدعاء وكانت إجابة لدعاء الخليل والبشارة بإسحاق كانت له ولزوجته تعجبًا.

استدل القائلون بأن الذبيح إسماعيل أيضًا بما حكى الله تعالى عن الخليل إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الصافات: ٩٩) ثم طلب من الله تعالى ولدًا يستأنس به في غربته فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (الصافات: ١٠٠)، وهذا الدعاء بصيغة السؤال


(١) الرازي في تفسيره ٢٦/ ١٥٤، الكشاف ٤/ ٥٧، المحرر الوجيز ٤/ ٤٨٠، الخازن في تفسيره ٤/ ٢٢، البحر المحيط ٧/ ٣٥٧، فتح القدير ٤/ ٥٦٧، روح المعاني ٢٣/ ١٣٤، البغوي في تفسيره ٤/ ٣٢.
(٢) مجموع الفتاوى ٤/ ٣٣٥، ويراجع زاد المعاد ١/ ٧٢.
(٣) تفسير ابن كثير ١٢/ ٣٧ - ٣٨.
(٤) التحرير والتنوير ٢٣/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>