قد يصاب من سيأكل أو يشرب منه ببقايا ذلك السم، أو لعل أحدًا أن يأتي وهو لا يعلم بما حدث للإناء فيشرب أو يأكل منه فيصاب بالأذى لذلك، وقد يصاب بالأمراض الكثيرة من جراء ذلك، فإذا لم يكن مستسيغًا للأكل أو للشرب من هذا الإناء فلا حرج عليه، لكن عليه أن يطبق أمر غمس الذباب حتى يَسلم من أضراره وأمراضه.
وكذلك فإن الأصل في الشراب والطعام الإباحة، فإذا كان أصل الشيء على الإباحة، فكذلك الفرع منه، فإن سقط الذباب في الإناء فليغمسه ليُطهّر من المرض، ثم أَمْر الطعام والشراب بعد ذلك لم يوجبه في نص الحديث، وليس في الحديث ما يدل على وجوب الشرب منه بعد غمسه، فرجع الأمر إلى أصل الإباحة.
خامسًا: أن البعض قد ظنوا أن هذا الحديث هو من الأمور التي تخضع للاجتهاد قد تصيب وقد تخطئ.
والجواب: أن أقواله - صلى الله عليه وسلم - محكوم بعصمتها، فهو لا ينطق عن الهوى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}(النجم: ٣) خاصة إذا كان هذا الأمر في شيء لا يحتمل الاجتهاد، بل هو من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لطعن الطاعنون في أقواله - صلى الله عليه وسلم -؛ بدعوى عدم جدواها وعدم نفعها لعدم موافقتها للواقع -كما يزعمون-؛ فإذا وافقت الواقع كان ذلك من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ ودليلًا على صدق رسالته، واعلم أن علماء هذا الزمان في كل يوم يثبتون أمرًا من سننه، ودليلًا من هديه - صلى الله عليه وسلم -، بل ويرشدون الناس إليه.
واعلم أن ديننا لا يحتاج إلى تجارب أو براهين حتى نقبله بل الأصل أن تؤمن بكل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ سواء علمت حقيقة ذلك أو جهلته، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}(الأحزاب: ٣٦).
سادسًا: قولهم أن موضوع متنه ليس من عقائد الإسلام ولا من عباداته، ولا من شرائعه، ولا التزم المسلمون العمل به، بل لم يعمل به أحد منهم لأنه لا دخل له في التشريع، وإنما هو في أمور الدنيا كحديث "تأبير النخل".