للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: الإسلام بين الوسطية والغلو]

ومن محاسن الإسلام نفي الغلو عن أحكامه وتشريعاته الإسلام بين الغلو والتوسط.

[تعريف الوسطية]

أولًا: لغة: وسطُ الشيء: ما بين طرفيه ... ، واعلم أن الوسط قد يأتي صفة، وإن كان أصله أن يكون اسمًا من جهة أن أوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه (١). الوسطُ: من كلِ شيءٍ أَعْدَلُهُ. (٢)

ثانيًا: اصطلاحًا: قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: ١٤٣).

أي كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبما جاءكم به من عند الله, فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطًا.

وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه: أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه. وهذا معنى من معاني الوسط المذكور في الآية الكريمة، ولعل هناك معنى آخر لا يعارض المعنى الأول وهو:

أن الوسط في هذا الموضع المقصود به الجزءُ، الذي هو بين الطرفين، مثل وسَط الدار، وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسَط، لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه - ولا هُم أهلُ تقصير فيه، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُها. (٣)

وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورد ما يقررُ هذا المعنى ويوضحه فمن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - قال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ الله تَعَالى هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ


(١) لسان العرب (٦/ ٤٨٣١، ٤٨٣٢) مادة وسط.
(٢) مختار الصحاح صـ ٧٤٠.
(٣) تفسير الطبري (٢/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>