فأين قريش من بحيرا وورقة؟ ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلين بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟ !
[الوجه الثاني: افتراض تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم لا يتفق مع الحقيقة التاريخية.]
فالحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة؛ لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات (١).
الوجه الثالث: لماذا لم يُعذِب كفار قريش ورقة على اعتباره أنه هو الذي ألَّف الدين لمحمد؟ !
فكما تساءلنا عن أنه لو كان ورقة كاهنًا مسموعة كلمته في مكة؛ فلماذا عذَّب أهل مكة محمدًا وأتباعه الذين تدعون أنهم في الأصل أتباع ورقة؟
فكذلك نتساءل لماذا كان محمدٌ وأتباعه يتعرضون للأذى والتعذيب من كبيرهم إلى صغيرهم ومن ذكرهم إلى أنثاهم؟ ! فهذا ياسر كبير السن هو وزوجته يُعذَّبان حتى الموت، فلو كان ورقة كبير السن فإن كفار قريش لن يرحموه خصوصًا بعد زعمكم أنه هو مُنشئ الإسلام؟ نعم، إن محمدًا كان عمه وغيره ممن يحمونه يمنعونه من بعض الأذى كأبي بكر، ولكننا لا ننسى ما حدث له في الطائف وفي مواقف أخرى كثيرة.
فهل ورقة كان مستترًا لا يلوح بنفسه خوفًا من الموت؟ ثم هو يودي بمحمد وأتباعه إلى الهلاك؟ فالجواب: لا، لأنه إذا كان كذلك فلا بد أن قريشًا علمت بأن ورقة يؤيد الإسلام ولم تتعرض له؛ إما لأنه مات قبل صدوع محمد بالدعوة، وإما لأنه مجرد تابع لمحمد، وليس له كبير أثر في الدعوة لكبر سنه الذي ألزمه الفراش كثيرًا، فكانت قولته الشهيرة: يا ليتني فيها جذعًا إذ يخرجك قومك. أي: يا ليْتَني كنْتُ شابًّا عند ذلك.
الوجه الرابع: إن قريشًا أحرص من المنصِّرين على إثبات بشرية مصدر الوحي.
(١) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن لمحمد باقر الحكيم (٤٣).