[الوجه الثاني: الرد على من زعم أن الله عز وجل أحيا للنبي أبويه فأسلما.]
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تبارك وتعالى - أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب: لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث، بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعنى: الخطيب في كتابه (السابق واللاحق) - وذكره أبو القاسم السهيلي في (شرح السيرة) بإسناد فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في (التذكرة) وأمثال هذه المواضع، فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبًا، كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث، لا في الصحيح، ولا في السنن، ولا في المسانيد، ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح؛ لأن ظهور كذب ذلك لا يخفي على متدين؛ فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله؛ فإنه من أعظم الأمور خرقًا للعادة من وجهين: من جهة إحياء الموتى، ومن جهة الإيمان بعد الموت، فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحد من الثقات علم أنه كذب.
والخطيب البغدادي في كتاب (السابق واللاحق) مقصوده أن يذكر من تقدم ومن تأخر من المحدثين عن شخص واحد، سواء كان الذي يروونه صدقًا أو كذبًا، وابن شاهين يروي الغث والسمين، والسهيلى إنما ذكر ذلك بإسناد فيه مجاهيل.
وأما الأدلة على ذلك فهي من الكتاب، والسنة الصحيحة، والإجماع.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (النساء: ١٧ - ١٨). فبين الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرًا، وقال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ