للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها فدكًا فأبى). (١)

وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: أن فاطمة جاءت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالت له: إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه. . . ". (٢)

فلم يجبها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لشيء من ذلك، فدل على عدم موافقته لها في كل شيء، بل قد تفعل الأمر مجتهدة فتخطىء فلا يقرها عليه، وبالتالي فأن لا يغضب لغضبها من باب أولى. وطلبها ميراث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أبي بكر من جنس ذلك، فقد كانت -رضي اللَّه عنها- مجتهدة وكان الحق في ذلك مع أبي بكر للنص الصريح في ذلك، ولموافقة الصحابة له في رأيه، فكان إجماعًا معتضدًا بالنص كما تقدم، فأبو بكر في ذلك قائم بالحق متبع للنص مستمسك بعهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه المسألة، فكيف يتصور أن يسخط بفعله هذا رسول اللَّه، وهو إنما يعمل بشرعه ويهتدي بهديه.

الوجه الخامس: أن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني" (٣)، من نصوص الوعيد المطلق التي لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعنيين، إلا بعد وجود الشروط، وانتفاء الموانع. (٤)

هذا مع أن ما في هذا الحديث من الوعيد لو كان لازمًا لكل من أغضبها مطلقًا، لكان لازمًا لعلي قبل أبي بكر، ولكان لحوقه بعلي أولى من لحوقه بأبي بكر، إذ أن مناسبة هذا الحديث هو خطبة علي -رضي اللَّه عنه- لابنة أبي جهل وشكوى فاطمة له على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما روى الشيخان من حديث المسور بن مخرمة قال: (إن عليًا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح


(١) سنن أبي داود (٢٩٧٢).
(٢) مسلم (٢٤٤٢).
(٣) البخاري (٣٧٦٧).
(٤) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٠/ ٣٧٢، ٢٨/ ٥٠٠ - ٥٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>