للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تقاس بحال غيره وقد جاء في حديث عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: "اكْتُبْ فوالذي نَفْسِي بِيَدهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلا حَقٌّ" (١).

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن كل ما يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - حق، وأنه إن حصل منه شيء في حال الغضب فهو حق، ولا يصدر منه إلا حق - صلى الله عليه وسلم -، سواء في حال الرضا أو في حال الغضب.

وقال البغوي: وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - حكم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان، وذلك لأنه كان معصوما من أن يقول في السخط والرضا إلا حقًّا. (٢)

الوجه الثاني: حديث الزبير وفيه سبب نزول الآية {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، ومعنى الآية، وشرح الحديث وبيان عصمة النبي- صلى الله عليه وسلم -.

أولًا: الحديث وسبب نزول الآية:

عن عروة عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه حدثه:

أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ". فغضب الأنصاري فقال أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر ". فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (٣)

ثانيًا: معنى الآية: دلَّت الآيةُ على أنَّ الأنْبِيَاء -عليهم السَّلام- معصُومُون عن الخطأ في الفَتوَى وفِي الأحْكَام، لأنه -تعَالى- أوْجَبَ الانْقِيَاد لحُكْمِهِم، وبالغ في ذَلِك الإيجابِ،


(١) رواه أحمد ٢/ ١٦٢، وأبو داود (٣١٦١)، وصححه الألباني في الصحيحة (١٥٣٢).
(٢) شرح السنة ٨/ ٢٨٦.
(٣) رواه البخاري (٢٢٣١)، مسلم (١٨٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>