قال ابن العربي: الذي يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِبَسْطِ الْأَدِلَّةِ، وَإِيضَاحِ سُبُلِ النَّظَرِ، وَتَحْصِيلِ مُقَدَّمَاتِ الاجْتِهَادِ، وَإِعْدَادِ الْآلَةِ المُعِينَةِ عَلَى الاسْتِمْدَادِ؛ فَإِذَا عَرَضَتْ النَّازِلَةُ أَتَيْت مِنْ بَابِهَا، وَنُشِدَتْ فِي مَظَانِّهَا، وَالله يَفْتَحُ فِي صَوَابِهَا. (١)
[الوجه الرابع: إجابة القرآن على الأسئلة التي كانت توجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها ما ينفع.]
فلقد وجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أسئلة كثيرة وأجاب القرآن عنها ولم يتركها هملًا.
وها هي بعض الأمثلة على ذلك:
١ - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ... } [البقرة: ٢١٩]
٢ - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)} [الأنفال: ١].
وغيرها كثير. فما ترك لنا هذا الدين الحنيف شيئًا إلا ووضحه وبينه، وصدق الله إذ يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].
أما عن قولهم في قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} فيه نهي عن السؤال.
وقوله تعالى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فيه إباحة للسؤال، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟
فالجواب كما يلي:
[١ - النهي عن السؤال فيما لا فائدة فيه، وإباحته فيما مست إليه الحاجة.]
قال القرطبي: قوله تعالى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: ١٠١] فيه غموض، وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ثم قال: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فأباحه لهم، فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف.
قال الجرجاني: الكناية في {عَنْهَا} ترجع إلى أشياء أخر، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا
(١) أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٦٠٠).