للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الأول: أقاويل بولس الصريحة في نفي إلاهية المسيح، وإفراد الله تعالى وحد بالألوهية.

أولًا: أقوال بولس في توحيد الذات الإليهة، وإفراد الله تعالى بالإلهية والربوبية والخالقية والقدرة المستقلةـ:

١ - يقول بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (وفي الطبعات البروتستانتية تسمى كورنثوس) (٨/ ٤ - ٦): "فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ إِلَّا وَاحِدًا. لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ. ٦ لكِنْ لنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ المُسِيحُ، الَّذِي بِهِ جميعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ. ورب واحد وهو يسوع، به كل شيء وبه نحن أيضًا".

قلت: فهذا النص صريح في انحصار الإلهية بالله الآب وحده.

٢ - ويقول بولس في رسالته إلى أهل أفسس (٤/ ٥ - ٦): "رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، ٦ إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ."


= الإنسان، بعمله التكفيري العظيم، الذي تجلى -حسب قول بولس- بآلامه وسفك دمه وموته على الصليب، تكفيرًا لخطايا البشر وفداء لهم بنفسه، فكرمه الله تعالى لأجل ذلك، ومجَّده ورفع قدره فوق كل الكائنات وأجلسه عن يمينه فوق عرشه (يتفق النصارى هنا على تنزيه الله تعالى عن حدود الكان والزمان ويفهمون هذه العبارات على نحو غير تجسيمي) وجعله شفيعا للمؤمنين وقاضيا وحاكما بينهم يوم الدين، ثم ليخضع في النهاية لأبيه الروحي وخالقه وإلهه: الله تعالى الذي هو -حسب تعبير بولس- الكل في الكل. تلك هي خلاصة عقيدة بولس في المسيح، كما تترشح من رسائله وتعاليمه، وهي عقيدة، وإن كانت لا تخلو من غلو وخلط بين الدين والفلسفة اليونانية، ومبالغة بحق المسيح لا دليل عليها في الإنجيل، إلا أنها مع ذلك حفظت الحد الفاصل بين الله تعالى (الآب) في وحدانيته وتفرده بالقدم والإلهية، وبين المسيح المخلوق والخاضع لأبيه وإلهه الله تعالى -على حد تعبير بولس- فلم تشرك المسيح مع الله في الذات واستحقاق العبادة، ولا ساوت بينه وبين الله تعالى في الإلهية -كما فعل ذلك للأسف دستور الإيمان النصراني الذي قرره مجمع نيقية- بل أبقته في دائرة الكائن المخلوق والعبد الخاضع لسلطان الله تعالى العابد له والمتبع لأمره، وبالتالي حافظت على وحدانية ذات الله تعالى.
وفيما ذكر أعلى الصفحة سنبين الشواهد على ما نقول، ثم نعقب ذلك بالرد على شبهاتهم من بعض أقوال بولس المشتبهة التي تحتاج لتوضيح.
هذا وسنعتمد في الغالب على الترجمة العربية الحديثة الكاثوليكية للرهبانية اليسوعية في بيروت للعهد الجديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>