١ - وأما قوله عزَّ وجلَّ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)} (المرسلات: ٣٥) ثم قال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)} (الزمر: ٣١)، فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ قال: هذا يوم لا ينطقون، ثم قال في موضع آخر: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون؟ فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضًا، فشكوا في القرآن.
أما تفسير: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥)} فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله:{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا}(السجدة: ١٢)، فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)} عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم يقال لهم بعد ذلك:{لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أي: عندي {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}(ق: ٢٨) فإن العذاب مع هذا القول كائن.
٢ - وأما قوله {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}(الإسراء: ٩٧) وقال في آية آخرى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}(الأعراف: ٥٠)، فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} ثم يقول في موضع آخر أنه ينادي بعضهم بعضًا؟ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
أما تفسير:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ}(الأعراف: ٤٤)، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضًا، وينادون:{يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، ويقولون:{رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}(إبراهيم: ٤٤)، {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}(المؤمنون: ١٠٦)، فهم يتكلمون حتى يُقال لهم: اخسأوا فيها