ولا تكلمون، فصاروا فيها عميًا وبكمًا وصمًا، وينقطع الكلام، ويبقى الزفير والشهيق؛ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة من قول اللَّه.
٣ - وأما قوله:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}(المؤمنون: ١٠١)، وقال في آية أخرى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠)} (الصافات: ٥٠)، فقالوا: كيف يكون هذا من المحكم؛ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
فأما قوله عزَّ وجلَّ:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} فهذا عند النفخة الثانية إذا قاموا من القبور لا يتساءلون ولا ينطقون في ذلك الموطن، فإذا حوسبوا ودخلوا الجنة والنار أقبل بعضهم على بعض يتساءلون فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة. اهـ (١).
قال القرطبي:
١ - قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥)} أي: لا يتكلمون، {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)} أي: إن يوم القيامة له مواطن ومواقيت؛ فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها ولا يؤذن لهم في الاعتذار والتنصل، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥)} و {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}(طه: ١٠٨) وقد قال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)} (الصافات: ٢٧)؟
فقال له: إن اللَّه عزَّ وجلَّ يقول: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)} (الحج: ٤٧) فإن لكل مقدار من هذه الأيام لونًا من هذه الألوان.
٢ - وقيل: لا ينطقون بحجة نافعة، ومن نطق بما لا ينفع ولا يفيد فكأنه ما نطق. قال الحسن: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. وقيل: إن هذا وقت جوابهم {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)} (المؤمنون: ١٠٨) وقد تقدم. وقال أبو عثمان: أسكتتهم رؤية الهيبة وحياء الذنوب. وقال الجنيد: أيُّ عذر لمن أعرض عن منعمه، وجحده، وكفر أياديه ونعمه؟