للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن دقيق العيد: إن الحديث يقتضي تغيير الصورة الظاهرة، ويحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي مجازي؛ فإن الحمار موصوف بالبلادة، ويستعار هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فروض الصلاة ومتابعة الإمام، وربما رجح هذا المجاز بأن التحويل في الظاهر لم يقع مع كثرة دفع المأمومين قبل الإمام، ونحن قد بينا أن الحديث لا يدل على وقوع ذلك، وإنما يدل على كون فاعله متعرض لذلك، وكون فعله صالحًا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء (١).

وقال ابن بزيزة: يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معًا. (٢)

ومن العلماء من حمل المسخ على الحقيقة.

قال ابن حجر: وحمله آخرون على ظاهره؛ إذ لا مانع من جواز وقوع المسخ في هذه الأمة.

وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي، فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره "ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة (٣) " ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد "أن الله يحول رأسه رأس كلب" (٤).

فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل، وباللفظ الدال علي تغيير الهيئة الحاصلة. (٥)

[الوجه الثاني: المسخ في الأمم السابقة، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة]

لقد وقع المسخ في الأمم السابقة والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة:

فمن الكتاب: ١ - قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)} [البقرة: ٦٥]، يقول تعالى: لقد علمتم يا معشر اليهود ما حل من


(١) أحكام الأحكام شرع عمدة الأحكام (٢٣٠).
(٢) فتح الباري (٢/ ٢١٥).
(٣) البخاري (٥٥٩٠).
(٤) صحيح ابن حبان (٢٢٨٣).
(٥) فتح الباري (٢/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>