للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن تيمية: فإن الإمام إنما يجهر لمن يستمع قراءته فإذا اشتغل أحد من المصلين بالقراءة لنفسه كان كالمخاطب لمن لا يستمع إليه، كالخطيب الذي خطب الناس وكلهم يتحدثون، ومن فعل هذا فهو كما جاء في الحديث "كحمار يحمل أسفارًا"، فإنه لم يفقه معنى المتابعة، كالذي يرفع رأسه قبل الإمام فإنه كالحمار، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمام أَنْ يَجْعَلَ الله رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ"؟ فإنه متبع الإمام فكيف يسابقه؟ ! ولهذا ضرب عمر - رضي الله عنه - من فعل ذلك، وقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت وأمره بالإعادة" (١)

وقال النووي: هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك (٢).

وخص الرأس بوقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام، لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات. (٣)

أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أن يجعل الله رأسه رأس حمار" فمن العلماء من حمله على المجاز ومنهم من حمله على الحقيقة.

أما من حمله على المجاز: قال الكرماني:

قيل: هذا مجاز عن البلادة لأن المسخ لا يجوز في هذه الأمة، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ليس قوله "أن يحول الله رأسه رأس حمار" في هذه الأمة بموجود، فإن المسخ فيها مأمون، وإنما المراد به معنى الحمار من قلة البصيرة، وكثرة العناد؛ فإن من شأنه إذا قيد حزن وإذا حبس طفر لا يطيع قائدًا ولا يعين حاسبًا. (٤)


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٩٢).
(٢) مسلم بشرح النووي (٢/ ٣٨٧).
(٣) فتح الباري (٢/ ٢١٥).
(٤) فتح الباري (٢/ ٢١٥) وعمدة القاري (٥/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>