للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقم رسول الله الحد إلا علي من صرح بالإفك وثبت عليه الخوض فيه. (١)

٤ - وقيل عصبة منكم أي جماعة منكم. (٢)

[خامس عشر: لماذا لم يحد عبد الله بن أبي؟]

قال الكاتب: من الواقع أن محمدًا لم يكن ليجرؤ على مس عبد الله بن أبي بالشر، وذلك لقوة نفوذه في يثرب وبالتحديد لزعامته جناح الخزرج. وكان أي أذي يلحق به سيؤدي - لا محالة - إلى إشعال نار الاقتتال العصبي بين الأطراف في يثرب).

والجواب عن ذلك من وجوه:

أولها: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة، والخبيث ليس أهلًا لذلك. وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة. فيكفيه ذلك عن الحد.

ثانيًا: لأنه كَانَ يَسْتَوْشِي الحدِيثَ وَيَجْمَعُهُ وَيَحْكِيهِ وَيُخْرِجُهُ فِي قَوَالِبِ مَنْ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ.

ثالثا: قِيلَ: إن الحدّ لَا يَثْبُتُ إلّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِبَيّنَةٍ وَهُوَ لَمْ يُقِرّ بِالْقَذْفِ وَلَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنّهُ إنّمَا كَانَ يَذْكُره بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ.

رابعًا: وَقِيلَ: بَلْ تَرَكَ حَدّهُ لمَصْلَحَةٍ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ إقَامَتِهِ كما تَرَكَ قَتْلَهُ مَعَ ظُهُورِ نِفَاقِهِ وَتَكَلّمِهِ بِما يُوجِبُ قَتْلَهُ مِرَارًا وَهِيَ تَأْلِيفُ قَوْمِهِ وَعَدَمُ تَنْفِيرِهِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلّهُ تُرِكَ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا. (٣)

خامسًا: قال القرطبي: وإنما لم يحد عبد الله بن أبيّ؛ لأن الله تعالى قد أعد له في الآخرة عذابًا عظيمًا. فلو حد في الدنيا لكان ذلك نقصًا من عذابه في الآخرة وتخفيفًا عنه.

سادسًا: أن الله تعالى قد شهد ببراءة عائشة - رضي الله عنها - وبكذب كل من رماها، فقد حصلت فائدة الحد، إذ مقصوده إظهار كذب القاذف وبراءة المقذوف، كما قال الله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. وإنما حد هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما


(١) فتح القدير (٥/ ١٩٣)، وتفسير القرطبي (١٢/ ١٩٧).
(٢) محاسن التأويل للقاسمي (سورة النور: ١١).
(٣) زاد المعاد (٣/ ١٦٦، ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>