للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: لم يقل الله عزَّ وجلَّ (منقعرة).

إنما ذكر الصفة لأن الموصوف -وهو النخل- مذكر اللفظ، وليس فيه علامة تأنيث، فاعتبروا المعنى وهو كونه جمعًا فقال: أعجاز نخل خاوية.

ويمكن أن يقال النخل لفظه لفظ الواحد كالبقل والنمل ومعناه معنى الجمع فيجوز أن يقال فيه نخل منقعر ومنقعرة ومنقعرات، ونخل: خاوية وخاويات، ونخل خاو وخاوية وخاويات ونخل باسق وباسقة وباسقات فإذا قال قائل منقعر أو خاو أو باسق جرد النظر إلى اللفظ ولم يراع جانب المعنى.

وإذا قال: منقعرة أو خاوية أو باسقة جمع بين الاعتبارين من حيث وحدة اللفظ، وربما قال منقعرة على الإفراد من حيث اللفظ وألحق به تاء التأنيث التي في الجماعة إذا عرفت هذا فنقول: ذكر الله -تعالى- لفظ النخل في مواضع ثلاثة ووصفها على الوجوه الثلاثة فقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} فإنها حال منها وهي كالوصف، وقال: {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وقال: {نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} فحيث قال: {مُنْقَعِرٍ} كان المختار ذلك؛ لأن المنقعر في حقيقة الأمر كالمفعول؛ لأنه الذي ورد عليه القعر فهو مقعور، والخاوي والباسق فاعل ومعناه: إخلاء ما هو مفعول من علامة التأنيث أولًا، كما نقول: امرأة كفيل وامرأة كفيلة، وامرأة كبير وامرأة كبيرة، وأما الباسقات فهي فاعلات حقيقة، لأن السوق قام بها، وأما الخاوية فهي من باب حسن الوجه؛ لأن الخاوي موضعها فكأنه قال: نخل خاوية المواضع، وهذا غاية الإعجاز حيث أتى بلفظ مناسب للألفاظ السابقة واللاحقة من حيث اللفظ فكان الدليل يقتضي ذلك بخلاف الشاعر الذي يختار اللفظ على المذهب الضعيف لأجل الوزن والقافية. (١)

قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} فيه وجوه:

أحدها: نزعتهم فصرعتهم: {أَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ}، كما قال: {صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}.

ثانيها: نزعتهم فهم بعد النزع: كأنهم أعجاز نخل وهذا أقرب، لأن الانقعار قبل الوقوع، فكأن الريح تنزع الواحد وتقعر فينقعر فيقع فيكون صريعًا، فيخلو الموضع عنه فيخوى، وقوله في الحاقة: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} إشارة إلى حالة بعد الانقعار الذي هو


(١) تفسير الرازي (٤٨٩)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٣)، وروح المعاني (٢٧/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>