للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} قال الفراء: معناه يستقبلان الشمس ويميلان معها حتى ينكسر الفيء ويكون السجود على جهة الخشوع والتواضع والتذلل لله عزَّ وجل. (١)

[الوجه الحادي عشر: لم يثبت حد لمدة وقوفها عند السجود.]

كما أن هناك نكتة خفية على البعض؛ وهي أن مقدار وقوفها لم ينص عليه الحديث، أو يشر إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك فلا يمنع أن يكون وقوفها للخرور والاستئذان؛ وكذلك السجود تنزلًا، حاصل في ثوانٍ أو أجزاء من الثانية؛ وهذه الثوان تضمحل في فرق الثمان دقائق الذي يفصل بيننا وبين الشمس؛ فلا يمكن ملاحظة فترة السجود حينئذٍ، هذا للشخص الملاحظ المتابع، فكيف بالبشرية المشغولة بضيعات الدنيا؟ وهذا صحيح شرعًا وعقلًا. فشرعًا: على افتراض أننا نشبه سجود الشمس بسجودنا؛ نجد أن الذي يسجد بتسبيحة واحدة قد صح منه السجود وأجزأه، كما لو سجد مصلٍ بأكثر من تسبيحة؛ والشاهد أن السجود وما يترتب عليه من خرور، ويتبعه من استئذان لا يلزم من ذلك كله مقدارًا معينًا من الوقت، نضعه من أذهاننا قياسًا على معتاد فعلنا؛ لأن الحديث أبهم وأطلق المقدار الزمني لهذه الأفعال؛ ولذلك فلا يمنع حدوثها في وقت قصير للغاية.

وعلى الذين يتوقعون من الشمس تطويلًا أو مقدارًا معينًا؛ أن يأتوا بالدليل المقيد لإطلاق الحديث، وترد حجتهم لمجرد أنهم قاسوا حال سجود الشمس على حال سجود الآدمي، هذه مسألة.

أما المسألة الثانية: فهي أنه لا يلزم من خرور الشمس؛ وذلك بالسفول والارتفاع كما في الحديث عند مسلم: "حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت" (٢)، أقول لا يلزم من خرور الشمس أن تنزل نزولًا ملحوظ المقدار أو ترتفع ارتفاعًا ملحوظ المقدار كذلك؛ فالحديث أُطْلِق ولم يَذكر مقدار مسافة الخرور سفولًا، ولم يعين مقدار مسافة الارتفاع، عندما تقضي سجودها


(١) الزاهر في معاني كلمات الناس (١/ ٤٦).
(٢) مسلم (١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>