للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول: يا رب، سلط علي عقربًا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئًا. (١)

والجواب على هذا كما يلي:

١ - أن هذا من الغيرة الفطرية المتسامح فيها، وقد سبق الكلام عن ذلك في فصل خديجة -رضي الله عنها-؛ قال المهلب: وفيه أن الغيرة للنساء مسموح لهن فيها وغير منكر من أخلاقهن، ولا معاقب عليها ولا على مثلها؛ لصبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لسماع مثل هذا من قولها. (٢)

٢ - أن عائشة هي التي روت هذه القصة، ووجه: لو كان فيها شيء مما زعموا ما نقلتها.

٣ - هذه منقبة لعائشة -رضي الله عنها-؛ لأنها غارت، ولم تعترض على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد صرحت بذلك، ومنقبة لحفصة -رضي الله عنها-؛ لأنها تتمتع بدرجة من الذكاء والحيلة. وقد أورد ابن الجوزي هذه القصة في كتاب الأذكياء (الباب الحادي والثلاثون) في ذكر طرف من أخبار النساء والمتفطنات، ثم هي الأخرى تحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحب أن يسير معها.

[الوجه الثالث: الجواب عن قولهم بأن حفصة كانت سيئة الخلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.]

وأما طعنهم في حفصة بأنها كانت سيئة الخلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك طلقها.

فيجاب عنه من وجوه:

أولًا: إن حفصة لما خيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- اختارت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورضيت وكانت به قريرة العين وها هي القصة بذلك: عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر -رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللتين قال الله لهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، فحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة فتبرز، حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، مَنْ المرأتان من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللتان قال الله عزَّ وجلَّ لهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}، فقال: واعجبي لك يا ابن عباس، عائشة وحفصة، ثم استقبل عمر الحديث


(١) البخاري (٤٩١٣) ومسلم (٢٤٤٥).
(٢) شرح ابن بطال (١٣/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>