" ظهر من مجموع هذه النصوص أن كلًا من يحيى وعيسى والحواريين والتلاميذ السبعين بشر بملكوت السماوات، وبشر عيسى - عليه السلام - بالألفاظ التي بشر بها يحيى - عليه السلام -، فعلم أن هذا الملكوت كما لم يظهر في عهد يحيى - عليه السلام - فكذلك لم يظهر في عهد عيسى - عليه السلام - ولا في عهد الحواريين والسبعين؛ بل كل منهم مبشر به، ومخبر عن فضله، ومترجّ لمجيئه، فلا يكون المراد بملكوت السماوات طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة عيسى - عليه السلام -، وإلا لما قاله عيسى - عليه السلام - والحواريون والسبعون "أن ملكوت السماوات قد اقترب"، ولما علم التلاميذُ أن يقولوا في الصلاة: "وليأت ملكوتك" لأن هذه الطريقة قد ظهرت بعد ادعاء عيسى - عليه السلام - النبوة بشريعته، فهو - أي الملكوت - عبارة عن طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة، ولفظ "مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ "بحسب الظاهر يدل على أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة، وأن المحاربة والجدال فيه مع المخالفين يكونان لأجله، وأن مبنى قوانينه لا بد أن يكون كتابًا سماويًا. وكل من هذه الأمور يصدق على الشريعة المحمدية.