واستئذانها؛ كما أن الحديث كما ذكرناه لم يعين مقدار زمن سجودها، وكذا استئذانها. ولنضرب على ذلك مثلًا: أليس يصح السجود بالإيماء البسيط الذي لا يكاد يُرى من المريض الذي لا يستطيع الحراك؟ فهذا الذي يومئ بالسجود إيماء حتى ولو كان يسيرًا جدًّا يصح سجوده ويقع منه، فكيف إذا علمنا أن سجود الشمس بطبعه مختلف ويرد على صفته - أي سجود الشمس - من الممكنات والاحتمالات ما لا يرد ولا ينطبق على سجود الآدمي؟ .
وعليه فالذين يتوقعون أو يتصورون من خرور الشمس واستئذانها مسافة معينة أو زمانًا مقدرًا؛ عليهم الدليل الذي بموجبه اختاروا هذا التقييد؛ ولا يصح منهم تصورهم الذي يُلْزِمُون به أنفسهم أو يُلْزِمُون به غيرهم بناء على القياس والمقارنة بين سجود الشمس وخرورها، وكذا سجود الآدمي وخروره. وبقي هنا فائدة لطيفة وهي أن الخرور قد يأتي بمعنى الركوع، وعلى هذا المعنى لا يلزم أن يكون النزول كاملًا ملحوظًا، كما لو كان في السجود الحقيقي الكامل، كما في قوله تعالى:{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا}[ص: ٢٤].
وقياسًا على هذا عموم هذا المعنى: لا قياسًا على فعل الآدمي، نقول أنه لا يلزم من خرور الشمس أن يكون خرورًا بالغ السفول بحيث يستنكر الناس منها ذلك، وقبل ذلك كله ذكرنا أن الحديث لم يبين مقدار مسافة السفول أو مقدار مسافة الارتفاع؛ فقد يقع منها الخرور والارتفاع بمقدار يسير لا يلحظه أحد، وذلك بسنتيمترات يسيرة مثلًا والحديث بإطلاقه لكيفية وصفة السجود لا يمنع من هذا الاحتمال (١).
[الوجه الثاني عشر: لا يلزم أن يكون سجودها كسجود الآدميين.]
كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره؛ وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله؛ كما في آية الحج السابقة؛ إذ كل شيء من خلق الله تعالى يسجد له ويسبح بحمده. قال تعالى في آية النحل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ