للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: أن الله - عز وجل - هو الذي أمر بهذه الأعمال فكيف تكون وثنية؟ .]

قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]، وقال أيضًا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ١٥٨]، إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أن أعمال الحج من عند الله وليست من أعمال الوثنية.

والجاهل الذي لا يعرف حكم الإسلام ولا يعرف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قد ينطلي عليه مثل هذا الكلام - أن أعمال الحج من الوثنية - لأن القائل نفسه يعلم أنه باطل، وأن مقصوده به التشويه، وكذلك يقصد به أن ينفر عن الإسلام من لا يعرفه، وإلا فإن أهل الإسلام يعلمون أن الكعبة مبنية من الحجر وغيره، وأنها لا تضر ولا تنفع أحدًا، وإنما يمتثلون أمر ربهم حيث أمرهم بقصدها والطواف عليها وبالتوجه إليها بالصلاة والدعاء.

فهذا مثلما ذكر الله جل وعلا أنه أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم فسجدوا طاعة لله وليس عبادة لآدم، فكذلك المسلمون يذهبون إلى الكعبة ويطوفون بها طاعة لله جل وعلا، ويعبدون رب الكعبة وليست الكعبة هي المعبودة، وإنما المعبود ربها الذي أمر بتعظيمها وبقصدها وبالطواف عليها.

أما التمسح بالكعبة فليس مشروعًا بل لا يجوز وهو من المحرمات، وإذا وقع فإنما يقع من الجهلة الذين لا يعرفون الحكمة، وإنما الذي يمسح هو الحجر الأسود والركن اليماني فقط، وأما غير ذلك فلا يجوز التمسح كما يقول هؤلاء، وإنما يفعلون ما أمروا تعبدًا لله جل وعلا وتقربًا.

وأما الوقوف بعرفات فهو عبادة أمروا بها تعبدًا لله، وكذلك المبيت بمزدلفة، ورمي الجمار وسائر مواقف الحج والمشاعر، كلها عبودية للقلب وللبدن؛ فالقلب أولًا يخضع لله جل وعلا ممتثلًا أمره وليس لهذه المظاهر التي يزعم الأعداء أنها من بقايا الوثنية، إذ إنهم إما جاهلون بالحكم وبالواقع، أو أنهم عرفوا الحكم فكذبوا على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين، فعليهم جريمة الكذب وجريمة معاداة الحق. (١)


(١) شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للغنيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>