[المطلب الأول: مقدمة عامة عن الحقوق ومزايا هذا الدين الإسلامي.]
إن قضية "الحقوق"، أشغلت العالم اليوم بجميع أممه ودوله ولا تزال، وهي قضية كبرى، جديرة بالبحث والدراسة، من وجهة النظر الشرعية الإسلامية، ذلك أن تسلط العالم الغربي، وفرض هيمنته الفكرية والإعلامية على كثير من دول العالم، وبخاصة العالم العربي والإسلامي، أدى إلى ضياع المفهوم الإسلامي لهذه القضية وغيرها، وأوجد انطباعًا لدى الناس بأنه لا طريق لنيل الحقوق إلا من خلال التبعية المقيتة لذلك العالم الغربي، والدخول طوعًا أوكرهًا ضمن أحلافه ومنظوماته، وتحمّل أصناف المهانة، من أجل الحصول على هذه الحقوق.
لقد أصل الدين الإسلامي قضية الحقوق تأصيلًا شرعيًا متكاملًا، يتبين من خلال هذا الأمر أن مفهوم "الحقوق" يتضمن أربعة أمور أساسية هي: النص الشرعي، والقواعد أو المبادئ، وتنظيم العلاقات، والوجوب أو الإلزام، وبتطبيق هذه الأسس على ما جاء من آيات الحقوق في القرآن الكريم، نجد أن مفهوم "الحقوق" في القرآن، يشتمل على هذه الأمور نفسها، ولنأخذ مثالًا لذلك، آيات الحقوق في آخر سورة الأنعام، قال تعالى: {قُلْ تَعَالوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥١ - ١٥٣].