للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - حق الله تعالى على العباد]

وهذا الحق هو أعظم الحقوق على الإطلاق، وأجلها قدرًا، وهو يدور على أصلين:

الأول: توحيده -عَزَّ وَجَلَّ-. الثاني: عبادته سبحانه لا شريك له. فعَنْ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَال لَهُ عُفَيرٌ، فَقَال: يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ الله عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى الْعِبَادِ؛ أَنْ يَعْبُدُوهُ؛ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى الله أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَال: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا" (١).

قال ابن حجر: قَوْله (أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا): المُرَاد بِالْعِبَادَةِ عَمَلُ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابُ المُعَاصِي وَعَطَفَ عَلَيْهَا عَدَمَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ، وَالحكْمَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَى الْعِبَادَة أَنَّ بَعْضَ الْكَفَرَةِ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الله وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أخْرَى فَاشْتَرَطَ نَفْي ذَلِكَ، والمراد من حق الله على عباده، ما يستحقه الله على عباده مما جعله عليهم، وقال القرطبي: وحق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه (٢).

أولًا: توحيد الله سبحانه وتعالى: أعلى وأغلى الحقوق على الإطلاق، وهو الذي خلق الله الخلق لأجله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]، هذا مع قوله سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا} [النحل: ٣٦]، وبذلك يكون معنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله.

قال الإمام البقاعي: (لا إله إلا الله) أي: انتفى انتفاءًا عظيمًا أن يكون معبودًا بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علمًا إذا كان نافعًا، وإنما يكون نافعًا إذا كان الإذعان والعمل بما تقتضيه، إلا فهو جهل


(١) البخاري (٢٨٥٦)، مسلم (٣٠).
(٢) فتح الباري (١١/ ٣٤٧)، وانظر: شرح النووي (١/ ٢٦٧: ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>