للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صغار، وعقوبة وذلك بالجزية التي تؤخذ منه؛ ليكون ذلك دليلًا على ذل الكافر وعز المؤمن، ثم يأخذ المسلمون الجزية منه خلفًا عن النصرة التي فاتت بإصراره على الكفر؛ لأن من هو من أهل دار الإسلام فعليه القيام بنصرة الدار، وأبدانهم لا تصلح لهذه النصرة؛ لأنهم يميلون إلى أهل الدار المعادية فيشوشون علينا أهل الحرب فيؤخذ منهم المال ليصرف إلى الغزاة الذين يقومون بنصرة الدار. (١)

وقد أحسن محمد علي بن حسين المكي المالكي في تقرير هذا الفرق حيث قال:

الفرق بين قاعدة: إن أخذ الجزية على التمادي على الكفر يجوز, وبين قاعدة: إن أخذ الأعواض على التمادي على الزنا وغيره من المفاسد لا يجوز إجماعًا.

وهو: أن قاعدة أخذ المال على مداومة الزنا أو غيره من المفاسد مفسدة صرفة؛ لأنه من باب ترجيح المصلحة الحقيرة التي هي أخذ الدراهم على المفسدة العظيمة التي هي معصية اللَّه تعالى، وهو لم يقع في الشريعة بل الشريعة تحرمه ولا تبيحه، وإنما الذي من الشرائع الواقعة وتبيحه القواعد الشرعية هو عكس ذلك، وهو ترجيح المصلحة العظيمة التي هي إزالة منكر من المنكرات العظيمة على المفسدة الحقيرة التي هي دفع الدراهم لمن يأكلها حرامًا كما في دفع المال في فداء الأسرى الكفار؛ وهم من حيث كونهم مخاطبين بفروع الشريعة يحرم عليهم أكل ذلك المال ليتوصل بذلك المحرم لتخليص الأسير من أيدي العدو.

ومن ذلك أخذ الجزية فهو مصلحة صرفة لأنه من باب التزام المفسدة الدنيا التي هي الإقرار على الكفر بأخذها لدفع المفسدة العليا التي هي انسداد باب الإيمان، وباب مقام سعادة الجنان على الكافر إذا قتل ليتحتم الكفر عليه والخلود في النيران، وغضب الديان حينئذ، ولتوقع المصلحة العليا التي هي:


(١) المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٥٨) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>