للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الرابع: فقه التعامل مع المعتدين.]

من الخطأ أن يعامل الناس كلهم بأسلوب واحد؛ لأن أصناف الناس متباينة، فهناك مَنْ إذا عفوت عنه دفعه الحياء إلى عدم معاودة اعتدائه، ومن الناس من إذا عفوت عنه زاده العفو بغيًا واعتداءً؛ فمثل هذا لا يكون العفو في حقه مندوبًا؛ بل الانتصار منه أصلح له. وبيان ذلك كالآتي:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)} [الشورى: ٣٩]، فالله - عز وجل - حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه، فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحق وعقوبته بما هو له أهل تقويمًا له، وفي ذلك أعظم المدح (١).

فمراعاة أصناف الناس وما يُصْلِحُ حالهم يحتاج إلى فقه، مَن الذي ينتفع بالعفو؟ ومن الذي ينتفع بالعقوبة؟

فالعبد يُقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة، فَمِنَ الناس من إن عفوتَ عنه تمادى وظن هذا ضعفًا. وبيانًا لفقه المسألة نقول: إن التعامل مع من اعتدى يرجع إلى حالتين:

إحداهما: أن يكون الباغي معلنًا بالفجور، وقحًا في الجمهور، مؤذيًا للصغير والكبير فيكون الانتقام منه أفضل، وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق.

الثانية: أن تكون الفلتة أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل وفي مثله نزلت: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧]، وقوله: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥]، وقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]. (٢)

الوجه الخامس: مراعاة الشريعة لاختلاف أحوال المعتدى عليهم.


(١) تفسير الطبري (١١/ ١٥٥).
(٢) تفسير القرطبي (١٦/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>