للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم (١).

واعلم أنهم كانوا مؤمنين بنبوة أبيهم، مقرين بكونه رسولًا حقًّا من عند الله تعالى، إلا أنهم لعلهم جوزوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يفعلوا أفعالًا مخصوصة بمجرد الاجتهاد، ثم إن اجتهادهم أدى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد، وذلك لأنهم كانوا يقولون: هما صبيان ما بلغا العقل الكامل ونحن متقدمون عليهما في السن، والعقل، والكفاية، والمنفعة، وكثرة الخدمة، والقيام بالمهمات، وإصراره على تقديم يوسف علينا يخالف هذا الدليل (٢).

[الشبهة الثالثة: كيف يصف أولاد يعقوب - عليه السلام - آباهم بالضلال المبين في القرآن؟]

والرد عليها كما يلي:

الظاهر أن مراد أولاد يعقوب بهذا الضلال الذي وصفوا به أباهم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - في هذه الآية الكريمة إنما هو الذهاب عن علم حقيقة الأمر كما ينبغي.

ويدل لهذا ورود الضلال بهذا المعنى في القرآن وفي كلام العرب، فمنه بهذا المعنى قوله تعالى عنهم مخاطبين أباهم: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)} [يوسف: ٩٥] وقوله تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)} [الضحى: ٧] أي: لست عالمًا بهذه العلوم التي لا تعرف إلا بالوحي، فهداك إليها، وعلمكها بما أوحي إليك من هذا القرآن العظيم، ومنه بهذا المعنى قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلًا أراها في الضلال تهيم

يعني: أنها غير عالمة بالحقيقة في ظنها أنه يبغي بها بدلًا وهو لا يبغي بها بدلًا.

ولم يرد أولاد يعقوب الضلال في الدين، إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارًا، وإنما مرادهم


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٧٢).
(٢) التفسير الكبير (٨/ ٤٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>