للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أباهم في زعمهم في ذهاب عن إدراك الحقيقة، وإنزال الأمر منزلته اللائقة به، حيث آثر اثنين على عشرة، مع أن العشرة أكثر نفعًا له، وأقدر على القيام بشؤونه، وتدبير أموره.

واعلم أن الضلال أطلق في القرآن إطلاقين آخرين: أحدهما: الضلال في الدين، أي: الذهاب عن طريق الحق التي جاءت بها الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، وهذا أشهر معانيه في القرآن، ومنه بهذا المعنى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧]، وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١)} [الصافات: ٧١]، وقوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} [يس: ٦٢] إلى غير ذلك من الآيات.

الثاني: إطلاق الضلال بمعنى الهلاك والغيبة من قول العرب: ضل السمن في الطعام، إذا غاب فيه وهلك فيه، ولذلك تسمي العرب الدفن إضلالًا؛ لأنه تغيب في الأرض يؤول على استهلاك عظام الميت فيها، لأنها تصير رميمًا وتمتزج بالأرض، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: ١٠].

ومن إطلاق الضلال على الغيبة قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأعراف: ٥٣] أي: غاب واضمحل.

ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغة ذبيان:

فآب مضلوه بعين جلية ... وغودر بالجولان حزم ونائل

فقوله: (مضلوه) يعني: دافنيه، وقوله: (بعين جلية) أي: بخبر يقين، والجولان: جبل دفن عنده المذكور.

ومن الضلال بمعنى: الغيبة والاضمحلال قول الأخطل:

كنت القذى في موج أكدر مزبد ... قذف الآتي به فضل ضلالا

وقول الآخر:

ألم تسأل فتخبرك الديار ... عن الحي المضلل أين ساروا (١)


(١) أضواء البيان (٣/ ٥٢: ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>