للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا نقول ما أعظم الفرق بين دخول المسلمين القدس فاتحين ودخول الصليبيين الذين ضربوا رقاب المسلمين فسار فرسانهم في نهر من الدماء التي كانت من الغزاة ما بلغت به ركبهم، وعقد النية على قتل المسلمين الذين تفلتوا من المذبحة الأولى! (١).

يقول اتيين دينيه: من الحقائق التاريخية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أهل نجران المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية. وها نحن أولًا نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم لا يفعلون مثل ما يفعل المسيحيون في الدعوى إلى دينهم، ولا يتبعون تلك الطرق المستغربة التي لا تتحملها النفس والتي يحبها الذوق السليم. وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه "سياحة دينية في الشرق" حيث يقول: إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم (٢).

المسلمون على عكس ما يعتقده الكثيرون، لم يستخدموا القوة أبدًا خارج حدود الحجاز لإكراه غيرهم على الإسلام. وإن وجود المسيحيين في أسبانيا لدليل واضح على ذلك، فقد ظلوا آمنين على دينهم طوال القرون الثمانية التي ملك فيها المسلمون بلادهم، وكان لبعضهم مناصب رفيعة في بلاط قرطبة. ثم إذا بهؤلاء المسيحيين أنفسهم يصبحون أصحاب السلطان في هذه البلاد فكان أول همٍّ لهم أن يقضوا قضاء تامًّا على المسلمين (٣).

إن القدوة الحسنة التي لا تقترن بمحاولة التبشير المتعصبة لهي أقوى أثرًا في النفوس التقية من مضايقات القسس المبشرين، ولقد اضطر العالم دوزي - رغم تعصبه ضد الإسلام - إلى الاعتراف بأن الكثير من المسيحيين الذين كانوا في أسبانيا اعتنقوا الإسلام عن عقيدة (٤).


(١) حياة محمد صـ ٣٦٩ - ٣٧٠.
(٢) أشعة خاصة بنور الإسلام صـ ١٨ - ١٩.
(٣) محمد رسول الله صـ ٣٣٢.
(٤) المرجع السابق صـ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>