فإن قيل: فهم مأمورون في علمه إلى وقت النسخ أو أبدًا؟
فإن كان إلى وقت النسخ، فالنسخ قد بين وقت العبادة كما قاله الفقهاء، وإن كانوا مأمورين أبدا فقد تغير علمه ومعلومه.
قلنا: هم مأمورون في علمه إلى وقت النسخ، الذي هو قطع الحكم المطلق عنهم، الذي لولاه لدام الحكم، كما يعلم الله - تعالى - البيع المطلق مفيدا للملك، إلى أن يقطع بالفسخ، ولا يعلم البيع في نفسه قاصرا على مدة؛ بل يعلمه مقتضيا لملك مؤبد بشرط، أن لا يطرأ قاطع، لكن يعلم أن الفسخ سيكون، فينقطع الحكم لانقطاع شرطه، لا لقصوره في نفسه.
فليس إذًا في الفسخ لزوم البداء، ولأجل قصور فهم اليهود عن هذا أنكروا النسخ، ولأجل قصور فهم الروافض عنه ارتكبوا البداء، ونقلوا عن علي - رضي الله عنه - أنه كان لا يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره، وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل، أي: في أمره بذبحه.
وهذا هو الكفر الصريح ونسبة الإله - تعالى - إلى الجهل والتغير (١).
[الوجه الثاني: الآية حجة عليهم، وأن التغير في المعلوم لا في العلم.]
قال الزرقاني: قوله سبحانه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} , والجواب: أنه لا مستند لهم في الآية الكريمة؛ بل هي ترد عليهم كما ردت على أشباههم ممن عابوا النسخ على النبي - صلى الله عليه وسلم-، ومعناها أن الله يغير ما شاء من شرائعه وخلقه على وفق علمه وإرادته وحكمته، وعلمه سبحانه لا يتغير ولا يتبدل إنما التغير في المعلوم لا في العلم بدليل قوله:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي وعنده المرجع الثابت الذي لا محو فيه ولا إثبات، وإنما يقع المحو والإثبات على وفقه فيمحو سبحانه شريعةً ويثبت مكانها أخرى، ويمحو حكمًا ويثبت آخر، ويمحو مرضًا، ويثبت صحة، ويمحو فقرًا ويثبت غنىً،