للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينزل كتبه مفسره، ويجعل كلام أنبيائه ورسله لا يختلف في تأويله لفعل، ولكنا لم نجد شيئًا من أمور الدين والدنيا وقع إلينا على الكفاية إلا مع طول البحث والتحصيل والنظر، ولو كان الأمر كذلك؛ لسقطت البلوى والمحن وذهب التفاضل والتباين، ولما عرف الحازم من العاجز، ولا الجاهل من العالم، وليس على هذا بنيت الدنيا.

قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن المسيح عبد اللَّه وأن محمدًا لصادق، وأنك أمير المؤمنين (١)، فأقبل المأمون على أصحابه فقال: احفظوا عليه عرضه ولا تبروه في يومه ريثما يعتق إسلامه كيلا يقول عدوه أسلم رغبة، ولا تنسوا بعد نصيبكم من بره وتأنيسه ونصرته، والعائدة عليه (٢).

فتأمل هذا الحوار الرائع، من رغبة الخليفة وحبه في بقائه حيًا، ولم يكن متعطشًا لسفك الدماء كما يدعي القوم، إنه حوار إنساني عظيم يدرس في معاقل حقوق الإنسان التي تخالف اسمها حوار فيه إظهار الحق وعدم التعطش للدماء، فيا له من دين ذي سماحة عظيمة ورحمة فائقة.

[٧ - الحكمة من قتل المرتد]

إن حفظ الدين والعقيدة من عبث العابثين هو مقصد لكل تشريع ولكل دين من الأديان لذلك كان قتل المرتد لحفظ هذا الدين ولأنه ترك الحق بعد معرفته، واعتدى على العقيدة التي هي أقوى أسباب الأمن (٣).

وتعاقب الشريعة على الردة بالقتل، لأنها تقع ضد الدين الإِسلامي، وعليه يقوم النظام الاجتماعي للجماعة، فالتساهل في هذه الجريمة يؤدي إلى زعزعة هذا النظام، ومن ثم عوقب عليها بأشد العقوبات استئصالًا للمجرم من المجتمع، وحماية للنظام الاجتماعي من ناحية،


(١) العقد الفريد (٢/ ١٩٧، ٩٨)، البيان والتبيين (٣/ ١٨٦، ١٨٧).
(٢) البيان والتبيين (المصدر السابق) بتصرف يسير.
(٣) مجلة البحوث الإِسلامية عدد (٢١/ ١٠٦) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>