للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنعًا للجريمة وزجرًا عنها من ناحية أخرى، ولا شك أن عقوبة القتل أقدر العقوبات على صرف الناس عن الجريمة، ومهما كانت العوامل الدافعة إلى الجريمة، فإن عقوبة القتل تولد غالبًا في نفس الإنسان من العوامل الصارفة عن الجريمة ما يكبت العوامل الدافعة إليها، ويمنع من ارتكاب الجريمة في أغلب الأحوال، وأكثر الدول اليوم تحمي نظامها الاجتماعي بأشد العقوبات التي تفرضها على من يخرج على هذا النظام أو يحاول هدمه أو إضعافه، وأول العقوبات التي تفرضها القوانين الوضعية لحماية النظام الاجتماعي، وهي عقوبة الإعدام أي: القتل، فالقوانين الوضعية اليوم تعاقب على الإخلال بالنظام الاجتماعي بنفس العقوبة التي وضعتها الشريعة لحماية النظام الاجتماعي الإِسلامي. (١)

ولعلك تفكر في مسألة أن الإنسان إذا اتبع الحق، ودخل فيه واعتنق هذا الدين الوحيد الصحيح الذي أوجبه اللَّه، ثم نجيز له أن يتركه بكل سهولة في أي وقت يشاء، وينطق بعبارة الكفر التي تخرج منه؛ فيكفر باللَّه ورسوله وكتابه ودينه؛ ثم لا تحدث العقوبة الرادعة له؟ ! كيف سيكون تأثير ذلك عليه وعلى الداخلين الآخرين في الدين؟ ألا ترى أن ذلك يجعل الدين الصحيح الواجب اتباعه كأنه محل أو دكان يدخل فيه الشخص متى يشاء ويخرج متى يشاء؟ ! وربما يشجع غيره على ترك الحق، ثم هذا ليس شخصًا لم يعرف الحق، ولم يمارس ويتعبد، وإنما شخص عرف ومارس وأدى شعائر العبادة، فليست العقوبة أكبر مما يستحق، وإنما مثل هذا الحكم القوي لم يوضع إلا لشخص لم تعد لحياته فائدة، لأنه عرف الحق واتبع الدين، ثم تركه وتخلى عنه، فأي نفس أسوأ من نفس هذا الشخص؟ . (٢)

وحد الردة يغلق بابًا خطرًا في وجه من يريدون إفساد الإِسلام من داخله أو التجسس عليه، وقد عانى الإِسلام كثيرًا ممن تبطنوا الكفر والتحقوا بالإِسلام، وإذا سلم بحق المجتمع في قتل البغاة والمحاربين، وهم لم يعلنوا كفرًا ولا ردة، فحق المجتمع في قتل من فارق دينه


(١) التشريع الجنائي الإِسلامي ١ (٦٦١، ٦٦٢) عبد القادر عودة.
(٢) موقع الإِسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (٢٠٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>